عريان
السيد خلف
الشعر
موهبة .. والموهبة لا تأتي اياً كان ، فهي تولد من رحم النشوء والصيرورة ، حتى
اننا نستطيع ان نميزها في بوادرها الاولى .. فهي تبدأ بالاضاءات الصغيرة عند الطفل
الموهوب في احاديثه وفي تأملاته وفي نظرته الى الكون لتنمو وتترعرع وتتسع ابعادها
بنموه وتلاحق سني عمره وهناك من يجانبها ويعرض عنها .. والاخر يرعاها وينميها
ويصقلها لتصبح حالة من التوهج والنور الذي يملأ حياته ولتضيء له الطريق ..
انا لا
ادعي اي تفرد .. ولكن حقيقة لازمتني منذ عرفت الليل من النهار وميزت الجليد من
النار .. والنهر من الصحراء .. والخضرة من الجفاف والحب من الكره .. والشرف من
الرذيلة .. والجمال من القبح .. والخير من الشر .
لم اولد
شاعراً ولذلك اعتقد جازماً ان الانسان الذي هو بلا موهبة ويقرر كتابة الشعر فهو
كالمجنون الذي يقفز الى نهر جارف وهو لا يعرف السباحة .
حكاية شاعر
طريفة ..
كنت مدعواً مرة ضمن وفد من زملائي الشعراء والنقاد الى دولة عربية لحضور مهرجان
شعري كبير وكان اسمي ضمن قائمة الوفد .. وبعد ان تجاوزنا نقطة حدودنا ودخلنا في
حدود البلد المضيف سلمنا جوازاتنا من اجل التأشيرة وبقينا ننتظر امام ضابط جوازات
ذلك البلد الذي تعمد ان يؤخرنا قليلاً .. ثم اخذ ينادي باسمائنا واحداً تلو الاخر
، ثم امسك بجوازي واخذ يسألني : ما اسمك ؟ قلت كما ترى .. قال ولماذا عريان ..؟ قلت
لا اعلم ، هكذا وجدت نفسي ، وبعد ان ضحك وضحك معه من كان من معيته ، قال : وماذا
تعمل ؟ قلت شاعر ولديك قائمة الوفد .. قال حسناً قل بي شعراً .. وهنا شعرت برغبة
لايذائه .. فقلت اسمع
جوازي اللي
بديك امصدق وممهور
وكون اتسهل
امري عليك مية نور
هاك استلم
هوية وبشعر منثور
(يكلاش)
انته اتونس بيها
فصفق لي
وابتسم وناولني الجواز !!
أيقاع
الحياة
ان البعض
يتكلمون كثيراً لا لان افكار واخيلة هامة تتزاحم في رؤوسهم بل لان طرف لسانهم
يحكمهم ! فتراهم مهذارين يصدعون الرؤوس بلغو فارغ .. والبعض يكتبون الشعر لا لان
عواطف كبيرة تتزاحم في صدورهم ولكنهم استسهلوا هذه الهواية واعطوا ظهورهم
للمسؤولية الاخلاقية والاجتماعية التي يجب ان يخجلوا منها وهم يصرون ان لا يروا ما
يجري في العالم ولا يريدون ان يصغوا الى ايقاع الحياة الذي ينبض به هذا العالم .
لماذا اعطي
الانسان عينين واذنين ولساناً واحداً ؟ القضية هي انه قبل ان يخرج اللسان الكلمة
اية كلمة ويطلقها في هذا العالم يجب على العينين ان تريا والاذنين ان تسمعا .
قد يكون
الانسان ذكياً لكنه دون موهبة شعرية بحيث انك تشعر بالملل حين تجبر على سماع ما
يقرأه من اشعار !! ويبعث في نفسك الضجر بدلاً من ان يبعث فيك الفرح والمتعة والفعل
لذلك احاذر ان لا تكون لغتي فاسدة وقصائدي باردة وغير مفهومة ومملة فأن ذلك
بالنسبة لي افضع شيء في حياتي .
خراب الذائقة
صحيفة هذه
امرأة تهيم بصوت داخل حسن في الخمسينيات وكان ابنها المعلم يجلب لها شرائط الاغاني
والمسجل يدور ليلاً ونهاراً ، وقد جاء احد المتسولين يوماً من عازفي الربابة ،
وكنا صغاراً وجلس في باب صحيفة وداعب ربابته ، فقلنا له ، ان صحيفة تحب غناء داخل
حسن وهكذا قام المسكين بالغناء مقلداً داخل حسن .. مما حدا بصحيفة ان تنهال عليه
ضرباً بمكناستها وهي تصيح لقد خربت الغناء .
قصائد متسولة
لقد تكاثر
الان على وجه الارض من يفسدون القصائد والاغاني من امثال هذا المتسول ومن دواعي
الاسف لا يكون لامثال هؤلاء مكنسة ولا من يضربهم بها .
مثل ...
هنالك مثل يقول (لا تعطيني موضوعاً اكتب لك عنه بل اعطني عينين حتى ارى بهما
الموضوع الذي يجب ان يكتب) .
يستطيع
الكاتب الروائي او المسرحي ان يتحدث عن مشاريعه الابداعية لسنوات قادمة فالكاتب
يعرف تماماً الاتجاه العام لعمله وربما يخطط لكتابة رواية او قصة او مسرحية اما
الشعر فيأتي على غير توقع لان ملكوت الشاعر لا يخضع للمشاريع المحكمة فأنت لا تستطيع
ان تقول غداً سأحب فتاة هكذا مواصفاتها ولا تستطيع ان تقول اني سأكره سافلاً في
الساعة الخامسة من اليوم التالي .
حقيقة ..
لم نكن نحن الذين نختار الشعر بل الشعر هو الذي اختارنا منذ البداية .
نظم
القصائد
جاءني مرة
شاب جامعي وقال لي : لقد حاولت واقتنعت اني قادر على الكتابة .. ولكني لا اعرف ما
يجب ان افعله فانا لا استطيع نظم قصائد جيدة .. ذكرت له المثل القائل : ( لا يكفي
ان يكون لك حقل ولكن عليك ان تعرف كيف تحرثه وتبذره) .
السائد ..
عندما نقرأ احياناً او نسمع بعض القصائد ولا ندري هل هي شعر او رص كلمات ؟
هذا اللون
من القصائد ينظمه شعراء كسالى لا يعملون بصبر ولا بجد ودأب والمثل يقول :
(على
العبقرية والعمل ان يتلازما كما تلازم الخنجر والغمد) .
ان الوصول
الى الابداع مسألة شاقة وشاقة جداً وخطرة الى حد انها قد تكلفك حياتك احياناً .

ليست هناك تعليقات: