ياسر العميدي
جماعة من العلماء
لعلها الاولى في التاريخ البشري من نوعها في ضخامة الانتاج الفلسفي والعلمي في شكل
موسوعة ( رسائل اخوان الصفا ).
ظهر اخوان الصفا في
البصرة العامرة في العلم والعلماء في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وهم
جماعة صغيرة من الرجال تتكون من اربع طبقات وقد انتهى الينا منهم رسائل هي اشبه ما تكون بدائرة
معارف مرتبة تضم علوم ذلك العصر ، وتدل على انهم اصابوا من الرقي الفكري حظا وافرا
.
رسائلهم عبارة عن موسوعة
فلسفية علمية وهي ذات الزامات دينية وسياسية ايضا ،ومذهبهم خلاصة ابحاث فلاسفة
الاسلام ، بعد اطلاعهم على اراء اليونان والفرس والهند وتعديلها على ما يقتضيه الاسلام .
وقد عرف منهم خمسة
افراد هم ابو سليمان محمد المقدسي ، وابو الحسن الزنجاني ، وابو احمد المهرجاني ،
والعوفي ، وزيد بن رفاعة .
فكر اخوان الصفا
الناس عند الاخوان اصناف
واقسام ويحصون هذه الاصناف الى سبعة اقسام : ارباب الصنائع والحرف والاعمال ،
وارباب التجارة والاموال ، وارباب البنايات والاملاك ، والملوك والسلاطين والاجناد
وارباب السياسات ،والمتصرفون والخدامون والمتعيشون يوما بيوم ، واصحاب العاهات
والعاطلون واهل البطالة والفراغ ،واهل العلم والدين والمستخدمون في الناموس .
ان سجايا واخلاق كل
فئة تختلف عن الاخرى بحسب مآربها وعاداتها التي تكسبها اياها تلك الاعمال ، كما
انهم من ناحية ثانية قسموا الناس الى اصناف وطبقات ومراتب كترتيب الاعداد المفردة
وذلك عندهم ان واضع الناموس هو النبي (ص) يكون في مبتدئه كالواحد في العدد ، وأصحابه
وانصاره الذين اتبعوه كالاحاد ، ومن تبعهم على مناهجهم كالعشرات ، ومن جاء من
بعدهم كالمئات ، ومن بعدهم كالالوف ، ومن جاء من بعدهم كعشرات الالوف بالغا مابلغ
الى يوم القيامة .
الصداقة والمودة
ينصح اخوان الصفا الانسان
الذي يريد ان يتخذ صديقا مخلصا يجرب اخلاقه ليعلم انه يصلح للصداقة وصفاء المودة
وحقيقة الاخوة او لا ؟ وذلك لان في الناس من هو خارج الاعتدال في أخلاقه وردئ في
عاداته ان من الناس خير وشرير، كفور وشكور ، وذو امانة وغدار ، حكيم وسفيه ، سخي
وبخيل ، شجاع وجبان ، حسود وودود ، فاجر وعفيف ، جزوع وصبور ، شره وقنوع ، فظ
ورقيق ، عاقل واحمق ، عالم وجاهل ، محب ومبغض ، منافق ومخلص ، ناصح وغشاش ، متكبر
ومتواضع ، مؤمن وزنديق ، عارف ومفكر ، وهكذا الى ما شابه من هذه الاخلاق المحمودة
والمذمومة من المتضادات ، ويرى الاخوان ان شر الاصدقاء الذي لا يؤمن بيوم الحساب .
لذلك يجب على الذي
يريد ان يتخذ صديقا ان يختاره اختيارا دقيقا ، فانه قرة العين ونعيم الدنيا وسعادة
الاخرة ، لان اخوان الصدق نصرة على دفع الاعداء واركان يعتمد عليهم عند الشدائد
والبلوى ، وظهر يستند اليهم عند المكاره وفي السراء والضراء ، فاذا غبت حفظوك واذا
تضعضعت عضدوك ، وان رأوا عدوا لك قمعوه ، وان الواحد منهم كالشجرة المباركة تدلت
اغصانها اليك بثمرها ، واظلتك اوراقها بطيب رائحتها ، وسترتك بجميل فيئها فان ذكرت
اعانك وان نسيت ذكرك ، ويرغبك في الخير ويبادرك اليه ، فالصديق ابذل له نفسك ومالك
، وافرش له جناحك ، واودعه سرك ، وشاوره في امرك ، واذا هفا هفوه فاغفر له ، وان
زل زلة فصغرها عنده ، واذا أساء لك فاذكر احسانه اليك حتى يأنس بك ويأمن منك ، ان
ذلك اسلم لوده وادوم لاخائه .
لذلك يرى اخوان الصفا
ان اكتساب الصديق من الصعوبة بمكان فيجب مراعاة الصديق وحفظه واداء حقوقه حتى لا تنقلب
الصداقة الى عداوة .
ويفضل اخوان الصفا
الاصدقاء الاخيار على الاقرباء والعشيرة والجيران والزوجة والولد والاخوة الذين هم
من صلب الاب ، لان هؤلاء جميعا يحبون من اجل مصلحتهم الذاتية ومنفعتهم الانية ،
فاذا استغنوا زهدوا ، اما الصديق الحق فلا يصادق من اجل شئ ، بل يرى ان ما يسره
يسر صديقه وما يغم صديقه يغمه ، فاذا تصادف ان تصادق ذو علم مع ذي مال فلا باس ان
يعاون ذو العلم صديقه بعلمة ويعاون ذو المال صديقة فتتحسن حالة الاثنين معا بما
فعلوه وبما اكرم احدهما الاخر به .
في تكوين الانسان
فهم يرون أن الإنسان
آخر المخلوقات وجد بعد وجود الحيوان والنبات لأنهما مصدر غذائه، والحيوان خلق بعد
النبات، لأن النبات مصدر غذائه، والنبات خلق بعد المعادن، لأنه مصدر غذائها،
والمعادن وجدت بعد وجود الماء لأنه سبب تكوينه.
فلسفتهم
لم يتأثر اخوان الصفا
بفكر الكندي بعد تاثرهم بالفلسفة اليونانية
والفارسية والهندية واشتركوا بفكر الفارابي والاسماعيليين في نقطة الاصل السماوي
للنفس وعودتها الى الله ، وفكرتهم عن منشأ الكون يبدأ من الله ثم الى العقل ثم الى
النفس ثم إلى المادة الأولى ثم الأجسام والأفلاك والعناصر والمعادن والنبات
والحيوان. فكان نفس الإنسان جزءا من النفس
الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. الموت عند إخوان الصفاء يسمى
البعث الأصغر.
لكن كتاباتهم مصدر
خلاف بين علماء المسلمين ولم يعرف انتمائهم المذهبي ، فالبعض يدعي بانتمائهم الى
المدرسة المعتزلية ، والبعض الاخر اعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية ،وذهب البعض
الاخر الى اتهامهم بالالحاد والزندقة .
وكانت غايتهم التقريب
بين الدين والفلسفة ، في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد ان الدين والفلسفة لايتفقان ،
وكانوا يستشهدون باقوال الفلاسفة : سقراط ، وارسطو،وافلاطون وفيثاغورس وغيرهم
.......
رسائل اخوان الصفا
ذاع صيت رسائل اخوان
الصف المتكونة من 52 رسالة حتى وصل الى الاندلس ، حتى اعتبرها البعض موسوعة للعلوم
الفلسفية وكان الهدف منها التظافر الى السعي لسعادة النفس عن طريق العلوم التي
تطهر النفس ، وتم طباعتها في عدة مطابع عربية منها (المطبعه العربية في مصر ) وقد
حققها خير الدين الزكاني ، وقدمها عميد الادب العربي طه حسين ، ومعظمها محفوظ في
متاحف استنبول ولكنها غير محققة بشكل نقدي
من حيث أنها لا تبرز المخطوطات التي تمّ الاعتماد عليها في تقديم محتويات نصوص
الرسائل وتعددية معانيها والاختلافات في صياغاتها، ونظرا إلى ذلك الحال قام الباحث
نادر البزري ببلورة مشروع اكاديمي يضم فريق عمل من اساتذة متخصصين بالبحث في شؤون
تاريخ العلوم والفلسفة عند العرب، وذلك لاصدار رسائل اخوان الصفاء في طبعة محققة
نقديا وعلميا.

ليست هناك تعليقات: