اعداد / ياسر العميدي
التصوف هو مذهب إسلامي. وهو منهج أو طريق يسلكه
العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في
العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليه
بالأخلاق الحسنة.
رشح بعض الباحثين
الكوفة بوصفها أول مكان ظهر فيه التصوف في تاريخ التصوف الاسلامي ، ويظهر أن اول
من اطلق عليهم اسم الصوفي في الكوفة هم ابو هاشم الكوفي ، وجابر بن حيان الكوفي ،
وعبدك الصوفي . وتؤكد المصادر ان غالبية أهل الكوفة من اصول يمانية وأصحاب حضارة
ضاربة في القدم ، وكانوا اصحاب خيال واسع مما قوى عند زهاد الكوفة النزوع الى
التصوف ، اذ أن التصوف بوصف عام يقوم على قوة الخيال والعاطفة ورهافة الاحساس .
وقد اسهمت الكوفة
بتكريس ظاهرة لبس الصوف من قبل زهادها واسهمت كذلك بانتاج ثياب الصوف في بيوتهم وتوارثوها .
منهج مذهبي
ونشأ في الكوفة مذهب في
التصوف يكاد يكون شيعيا وكان آخر ائئمته عبدك الصوفي ( ت 210 هـ) الذي كان يقول
بالولاية الشيعية للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وان الامامة بالنص
وبالتعيين ، وقد اخذ الصوفية فكرة الولاية من الشيعة .
وكان في الكوفة عدد من
الوعاظ اسهموا في ظهور التصوف ، ومن ابرزهم ابو العباس محمد بن صبيح السماك
المعروف بابن السماك ( ت183 هـ) وقد انتقل ابن السماك في فترة من حياته الى بغداد
ومكث بها مدة ثم عاد الى الكوفة وتوفي فيها .
فكر ديني
للكوفة اسهامة متقدمة
في مد التصوف في العراق بمجموعة من الافكار المتصلة بمحاسبة النفس والتوبة من
الذنوب وباشاعة سمات العزلة والانقطاع الى
العبادة والانشغال بها عن الرواية ،وكذلك اشاعة ظواهر الانفعال النفسي من حزن وخوف
ووجد ، والظواهر السلوكية الخاصة بمجاهدة النفس وبالجوع والسهر والصمت .
والاهتمام بالتصوف قديم، تناوله المؤرخون
والعلماء العرب والمسلمون كالطوسي، والكلاباذي، والقشيري وغيرهم، كما ألف فيه
الفلاسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون، وتجادل فيه الفقهاء وعلماء الكلام إضافة
إلى جهود المستشرقين، ولم يتفق هؤلاء على رأي واحد سواء تعلق الأمر بحدوده أو
أصوله فاختلفت الآراء والمشارب حوله، فالتصوف ليس ظاهرة إسلامية خاصة بل إن جذوره
وعروقه تمتد في أي فكر ديني .
ريادة البصرة
وشاركت البصرة الكوفة
الريادة التأريخية لحركة التصوف في العراق في القرن الثاني الهجري ، والبصرة بحكم
موقعها التجاري الممتاز على البحر كانت مركزا متقدما للتفاعل الثقافي والحضاري بين
سكانها من المسلمين والاقوام الاخرى من الفرس والهنود والزط .
وقد امدت البصرة التصوف
بمجموعة من الزهاد والزاهدات كانوا من الممهدين لنشوء التصوف في العراق وحلقة وصل
بين الزهد والتصوف وابرزهم : أبو محمد حبيب بن محمد الفارسي او العجمي البصري،
وأبو سعيد الحسن بن ابي الحسن البصري ،
وام الخير رابعة العدوية القيسية البصرية مولاة ال عتيك .
عهد المنصور
في النصف الثاني من
القرن الثاني الهجري احتلت بغداد التي اسسها أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن
علي (ت 158 هـ)مركز الصدارة في شتى مجالات الحياة ليس بين مدن العراق وحسب وانما
بين شتى مدن العالم الاسلامي ، بوصفها عاصمة للدولة العباسية .
وكان لبغداد موقع هام
في تأريخ حركة التصوف في العراق بعد تأسيسها حيث كانت عناية الخلفاء العباسيين
بشؤون الحياة الروحية وكان هذا حافزا للعديد منهم للانتقال الى بغداد من الكوفة
والبصرة وواسط وسواها من المدن ، فقد قصدها من الكوفة ابو هاشم الكوفي (ت150 هـ)
ومنها ذهب الى الشام ، وقصدها ايضا عبدك الصوفي والشاعر المعروف ابو العتاهية وانتشر
هذا الفكر في ايران وبلاد الشام وتركيا ومصر والسعودية وتونس والجزائر والمغرب
وموريتانيا ومعظم البلاد الاسلامية .
العقيدة الصوفية
تختلف العقيدة الصوفية
عن عقيدة الكتاب والسنة في أمور عديدة، من أهمها: مصدر المعرفة الدينية، ففي
الإسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة، لكن في التصوف تثبت العقيدة بالإلهام
والوحي المزعوم للأولياء، والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين، وبعروج الروح
إلى السماوات، وبالفناء في الله، وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي
الصوفي حسب زعمهم، وبالكشف، وبربط القلب بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يستمد
العلوم منه. وأما القرآن والسنة فإن للصوفية فيهما تفسيراً باطنياً حيث يسمونه
أحياناً تفسير الإشارة ومعاني الحروف، فيزعمون أن لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه
إلا الصوفي المتبحر، المكشوف عن قلبه.
تقديس الأموات
إن من ألوان تقديس
الأموات والغلو فيهم أن يعتقد - المتصوفة - أن الميت ولياً كان أم نبياً لا بدّ أن
يرجع إلى الدنيا، وأنه متى ما أراد أن يعود إلى بيته عاد وكلم أهله وذويه، وتفقد
أتباعه ومريديه، وربما أعطاهم أوراداً، إلى غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في
الجهل بعيدة عن عقيدة الإسلام الصافية. ومظاهر عقيدة الرجعة عند الصوفية تتمثل في
اعتقادهم بإمكان مقابلة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد موته يقظة، وأنه - صلى
الله عليه وسلم - يحضر بعض اجتماعات الصوفية.
المنهج العملي
يرى الصوفية أنهم لا
يكتفون بأن يوضحوا للناس أحكام الشرع وآدابه بمجرد الكلام النظري، ولكنهم بالإضافة
إلى ذلك يأخذون بيد تلميذهم ويسيرون به في مدارج الترقي، ويرافقونه في جميع مراحل
سيره إلى الله، يحيطونه برعايتهم وعنايتهم، ويوجهونه بحالهم وقولهم، يذكرونه إذا
نسي، ويقوِّمونه إذا انحرف، ويتفقدونه إذا غاب، وينشطونه إذا فتر. وهكذا يرسمون له
المنهج العملي الذي يمكنه به أن يتحقق بأركان الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان
والإحسان، ومن أهم الطرق العملية التي يطبقها رجال التصوف للوصول إلى رضا الله
ومعرفته .
موقف الشيعة
روى شيخنا الجليل
الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في كتاب الكشكول، قال: قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم من أمتي اسمهم صوفية ليسوا مني، وإنهم
يهود أمتي، وهم أضل من الكفار، وهم أهل النار.
وفي وصية النبي ( صلى
الله عليه وآله ) لأبي ذر ( رضي الله عنه ) : يا أباذر يكون في آخر الزمان قوم
يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن
لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك يلعنهم ملائكة السماوات والأرض .
قال رجل للصادق عليه السلام قد خرج في هذا
الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم؟
فقال عليه السلام: إنهم أعداؤنا فمن مال إليهم
فهو منهم ويحشر معهم وسيكون أقوام يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم ويلقبون
أنفسهم بلقبهم ويأولون أقوالهم ألا فمن مال إليهم فليس منا وإنا منه براء ومن
أنكرهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وآله .
وسئل الصادق عليه السلام عن حال أبي هاشم
الكوفي فقال: إنه فاسد العقيدة وهو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف وجعله مقرا
لعقيدته الخبيثة ..

ليست هناك تعليقات: