"/> شذرات شعريّة في كتاب "بقية شمعة" | صباح الديوانية

صباح الديوانية العدد 739


 حسن السلمان

لا بأس في الانطلاق من التوصيف التقليدي الذي يقول: إن البلاغة هي ما قلّ ودلّ كمفتتح للدخول في عوالم مجموعة بقية شمعة: قمري للشاعرة بلقيس خالد. فهذا التوصيف، وعلى الرغم من تقليديته،يفتح أمامنا أكثر من نافذة للاطلاع على ماهية النصوص القصيرة (كمّاً) والمتسعة دلالة مع توصيفاتها المتعددة ومعرفة مرتكزاتها ومنطلقاتها الجمالية والمفاهيمية مقارنة بالنصوص الطويلة الاستطرادية. في هذا الصدد يقول الفيلسوف الروماني (اميل سيوران) في كتابه (المياه كلها بلون الغرق): (نحن عبدة الشذرة والندبة.. ننكب على ما سكت عنه الكاتب، على ما كان يمكن أن يقول، على أغواره الصامتة. لو ترك عملاً فنياً -مكتملاً- أو افصح لنا عن نفسه (كلياً) لظفر منا بالنسيان. لا يسحرنا الا الفنان اللامتحقق). فالشذرة ما هي الا عينة من شيء كلي تم الاستعاضة عنه بالاقتصاد اللغوي والتكثيف وترك الفجوات والثغرات ليتحقق أكثر من غرض، سواء على مستوى ماهية

تكثيف المعنى
النص، أم ممارسات التلقي. فعلى مستوى ماهية النص، تتحقق ديمومة انتاج المعنى وتتعزز امكانياته الدلالية العابرة للترهين الزمني. وعلى مستوى التلقي فثمة أكثر من خيار تأويلي وقراءة بحكم طبيعة النص، الذي يسوده اللاتحقق وعدم سيادة الصيغة فعلى حد تعبير سيوران: (تحت كل صيغة ترقد جثة). ان النص القصير جداً/ الشذرة، فضلاً عن سماتها وميزاتها التي تطرقنا اليها آنفاً، تتسم بالطراوة والحميمية والوضوح: فلا شيء يصيب العقل بالجفاف مثل نفوره من تصور أفكار مبهمة، وان الغموض مجرد خداع للآخرين، لإ يهامهم بأننا أكثر عمقاً منهم بحسب سيوران. في مجموعتها آنفة الذكر، اعتمدت (بلقيس خالد) في مجمل المجموعة (النص/ الشذرة) مستفيدة من شعر الهايكو الياباني وعلى وجه التحديد من سمات الاقتصاد والتكثيف والبساطة والرقة والايحاء الدلالي من دون التقيد بشكل الهايكو الذي عادة ما يأتي على ثلاثة أشطر، ان انتاج هكذا نصوص يستدعي اعتماد آليات تتوافق
دلالة النص
وطبيعتها، لذا اعتمدت الشاعرة على عدة آليات من بينها البياضات الممثل لها بالتنقيط للايحاء بوجود شيء مسكوت عنه، أوغير منجز يضطلع القارئ بتغطيته دلالياً على وفق موجهات ذخيرته المعرفية وسياقات النص، عبر ما يسمى بانصهار الآفاق، من قبيل هكذا نصوص:
سأشرب الدمع
حتى
أصير
بحراً
.......
.......
نهر أنا.. كرهت عذوبتي)
وببتر المفردة والاستعاضة عن الجزء المفقود
بالنتقيط:
لن أغلق الباب
سأهذب الريح
باشجار الـ ...
كما تستخدم مع التنقيط، الفاصلة البادئة في مستهل النص للايحاء بان الكلام اللاحق، معطوف على كلام سابق يجري تقديره بحسب العملية السابقة، أي وفق المشاركة التأويلية بين القارئ وسياقات الدلالة العامة للنص، كما في هذا النص:
ـ يجذبني الشوق
......
برغبات
متعثرة ) .
تستخدم الشاعرة التشكيل البصري عبر تقطيع
وبعثرة العبارة والمفردة لإنتاج الدلالة كما في هذا النص بالنسبة إلى العبارة:
لست شمعة
لكنني
أحب
السيل
تحت اللهب.
اما على مستوى تقطيع وبعثرة المفردة وايحاءاتها
الهندسية، فتقول:
الليل : جدار
يتسلقه
النهار  .
افق المفارقة
في حين الاشتغال على المفارقة، فيتصدر آليات الاشتغال بوصفها، أي المفارقة، فضاء تحويلياً لكسر أفق التوقع وأحداث الصدمة والتوتر، عبر التضاد اللغوي المرتبط بالقاعدة الدلالية لمعاني الكلمات، سعياً لتوسيع أفق المعنى وتعددية دلالاته كما في هذه النصوص:
بيني وبين
حبيبي
اغفاءة
.....
والنوم طير مهاجر
وكذلك في هذا النص:
يئن البحر ..
كلما جرحته
عيون الينابيع

تكثيف النص

ممّا تقدّم وعطفاً عليه، يمكننا القول: ان النص/ الشذرة، يندرج تحت مسمّى الكتابة وفق أسلوب السهل الممتنع، وهو أسلوب خطر؛ لأنه، ان جاز التعبير، سلاح ذو حدين، فمن لا يمتلك القدرة على تقديم نصوص ذات (وضوح لامرئي) وايصال المعنى بأقل عدد مكن من العبارات المركزة، سيسقط لا محالة في المباشرة والتقرير، وبخلافه سنكون أمام نص (ضيّق العبارة) واسع الرؤية.وقد نجحت بلقيس خالد الى حد كبير في تقديم مثل هكذا نص، مع تحفظنا على بعض النصوص التي تمادت في جعلها واضحة من دون أن تغطى بنحوٍ كاف فنياً لتسقط في المباشرة، من قبيل قولها: (ـ عمال البناء/: بالغناء/تسلحوا/ ليهزموا/ العناء) وكذلك: (ـ نكتب: عراق ثراء/نقرأها في المرآة: رثاء). كما انها عمدت الى تقطيع بعض النصوص في الوقت الذي لاتحتاج الى تقطيع، اذ انها بذلك أفقدتها الانسيابية والايقاع، من قبيل: (ـ لضبط/ايقاع/ البلابل،/ لا بد../ لا بد من طبلة للمزاج) إذ تتحقق الانسيابية والايقاع وفق الشكل الآتي، افتراضاً: (لضبط ايقاع البلابل/ لا بد../ لا بد من طبلة للمزاج).

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات:

Post a Comment


Top