"/> رواية حَمّام اليَهودي.. فيلم ناطق في زمن الصمت | صباح الديوانية

صباح الديوانية العدد 739




  • عبدالحسين خلف الدعمي


من خلال قراءاتي المتتالية للسرد العربي (رواية ــ قصة) خلصت الى ان روائع السردية العربية تكمن في تقريبها للواقع و ليس في تغريبها للمواقع فترى القارئ العربي متلازماً مع هذه الروايات بدأً بروايات تاريخ الاسلام لجورجي زيدان تواصلاً مع روايات نجيب محفوظ و احسان عبد القدوس عبر عشرات الروايات التي بقيت عالقة في الذهن و التي تحولت فيما بعد الى افلام مرئية ناطقة لانها في الاساس كانت صورا نقلتها انامل المبدعين الى سطور بقيت تحمل في طياتها تلك الصور الواقعية لحقب زمنية عاشها الروائي او سمع عنها فدونها لكي لا يأكل من اطرافها الزمن .
مدارس سردية
و بعد مرحلة التغريب المتأثرة بالنتاج العالمي لمدارس السرد المتعددة تأثر الرواة العراقيون بتلك المدارس و ذهبوا الى محاكاتها و لكنهم في الأغلب ما كانوا ليبلغوا مرامهم من خلالها وبغيتهم في التفرد والانتشار فعادوا الى المدرسة السردية الواقعية لكي يجدوا ضالتهم فيها وهكذا نرى ان المكتبة العربية الآن قد زخرت بكم من الروايات والقصص التي اتخذت هذا المنحى سبيلاً ولاقى رواجاً واعتقد ان رواية حمام اليهودي للروائي العراقي علاء مشذوب قد لقيت استحسان العامة لأنها ترجمت لحقبة زمنية قد عايشها البعض والبعض الآخر قد سمع عنها .. فجاء (مشذوب) موثقاً لها دون ان يضع رتوشا مشوهة او يضيف متخيلاً قد يضبب مشاهد روايته .
هجرة يهودي
وتحدث هو عنها في ذات السياق الذي ذكرناه قائلاً : ( هذه الرواية تحكي قصه اليهودي يعقوب شكر الله دانيال و عائلته .. هذا اليهودي فضل الهجرة الى متصرفية كربلاء بدلاً من الهجرة الى اسرائيل او دولة اوروبية اخرى ، بدأت الحكاية في نهاية عام 1918 و انتهت بعد اكثر من عقدين )..
و تحدث عنها الروائي وارد بدر السالم قائلاً : (حمام اليهودي حكاية رجل عراقي استوطن كربلاء وأحب المدينة وعاش في كل تفصيلاتها اليومية و الاجتماعية و طقوسها الدينية و تشبع بها كليا من دون ان يترك يهوديته ).
وطن الام
و هذا القول يسحبني الي شخصية لربما تأثر بها الكاتب علاء مشذوب حتى وضع اسمه مقروناً بروايتيه (آدم سامي مور) و (بابل سامي مور) و(سامي موريه) هو الاديب اليهودي (سامي المعلم) الذي اصبح اسمه في العبرية بعد أن غادر العراق (شمؤيل موريه) وهو مولود في بغداد محله البتاوين سنه 1932 عاش عاشقاً لبغداد و العراق و لم يهاجر الا بعد ان اسقطت عنه الجنسية العراقية سنه 1951 واجبر على مغادره البلاد التي ترعرع و نشأ فيها ، و فيها تمتد جذوره لآلاف السنين .. الى حضارات بابل وسومر وأكد لذلك بقي هذا الاديب و فياً لأرض الرافدين و آخر ما كتبه عن وطنه الأم (بغداد حبيبتي) متواصلاً مع الادب العربي حيث انه بعد حصوله على شهاده الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن شغل مقعد رئاسة هيئة الآداب العربية في الجامعة العبرية حتى وفاته عام 2017 و لم نرَ ضيراً في ان يخلده الكاتب الروائي مشذوب عراقياً من خلال استعارة اسمه على روايتين مهمتين أنتجهما المشذوب مؤخراً .. أو عبر ثلاث روايات (آدم سامي مور) و (بابل سامي مور) وأخيراً (حمّام اليهودي)  .
اشتغل المشذوب في روايته (حمام اليهودي) على ثيمات مهمة لعل البعض لم يدرك اهميتها او انه اعتمد موقفا خاطئا اراد الروائي تصحيحه من خلال هذه الرواية فركز على :
الوحدة الوطنية و التعايش السلمي الاجتماعي صفحه 86
الحب لا يعرف الفوارق و الحدود الطبقية او الدينية صفحه 86 صفحه 87 صفحه 274
العنف و ماله من مردودات سلبية في صناعة الخوف .. فالإنسان فيه يكون قلقا حتى في حالة الاسترخاء المجتمعي لذلك ترى الاقليات تكون في وجل مما يحدث وتخشى الغد ان مر يومها بسلام
حرية الاعمال
حرية ممارسة الاعمال الحرة في مدينة مقدسة دون التعرض لممارستها بالرغم من تقاطعها مع طبيعة المجتمع الدينية ومنها ما قام به اسحاق من فتح مخزن لبيع المشروبات الكحولية و ممارسة حلومه الخبازة للمجون دون اعتراض والا ماذا تسمى علاقتها اللاشرعية مع اسحاق و معرفة الآخرين بها .. و التساؤل الذي تثيره الرواية هل ان الشيخ (رجل الدين) الذي منع زواجها من اسحاق اجاز لها التمتع بأسم الدين اي (ممارسة الجنس) معه من باب إباحة (المتعة) في ما بينهما لذلك لم يتعرض لها احد و لم يُستنكر فعلها
ناطق في زمن الصمت
لم أتطرق الى كل الاشتغالات التي احكم السيطرة عليها مداد الروائي الدكتور علاء مشذوب وحسبي إنه في روايته هذه جعلنا نرى من خلال السرد مشاهد سينمية وثقتها أنامله وأبدع في إخراجها ، وهو قد أفصح عن المسكوت عنه ليصبح ناطقا في زمن الصمت .. هذا ما وجدته في الرواية ولربما سيجد ناقدا آخر ما لم استطع اكتشافه في النص السردي ليضيف او يتعارض فلكل منا رؤى نتفق فيها او نختلف هي اخيرا محصلة ايجابية لصالح رواية عربية عراقية اسمها (حمام اليهودي) وثقت يوميات عائلة من الطائفة اليهودية تعايشت مع الطائفة المسلمة في مدينة عراقية مقدسة وتمتعت بجميع حقوقها في الحياة و كانت فيها محط احترام وتوقير وحرية وأمان .. وإنها لصفعة لكل من يوسم العرب والمسلمين بأنهم دعاة حرب وعداء للأديان الأخرى .


About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات:

Post a Comment


Top