"/> حميمية | صباح الديوانية

صباح الديوانية العدد 739



  • صباح محسن جاسم


حين تثاءب الفجر على صوت المؤذن ، انتبه من نومه بعد جهد يوم مضنٍ اثر سفر طويل لحس قدميه صعوداً الى ركبتيه.
تمطى متجاوزاً اوجاع جسده المنهك ثم تحامل على قدميه فاتحاً درفة باب خشبية صلدة ، لم يكن الضياء قد اطل من كوة سماء شباط هذا العام ، فتح الباب قليلاً ، خلافاً لما توقع شدة برد الشتاء ، كان الجو دافئاً ، مما منحه استثناء لوضع (جاكتته) حول كتفيه ولفا ع الرقبة .. دفع بجسده خارج الغرفة ، فيما يمسح على رأسه بكف ما تزال مبلولة بالماء ، احتل مشهد الفجر على عتمة شجرة ضخمة ، انتصبت امامه عبر ممر ضيق ، فرز من بعدها شجرتين تلوذان الى جوارها كمن يطلب الدفء شيئاً فشيئاً بدأت اذناه تتلقفان صوت وصوصة عصفور صغير ، ثم تألفان نشيد زقزقة عصافير شرعت تثرثر ، وكأنما ينتبه لاول مرة الى صياح بدا كعراك يزاحم فضاء المكان حتى جاء على صياح ديك عجوز يجاهد في اعلان صافرة الفصل بين المتشاجرين الغارقين في جدل غريب !
(ما الذي تريد قوله مئات العصافير وسط حشدها ذاك؟)
لسعات البرد ما عادت تعض على شعر رأسه المبلول ، اشرأب بعنقه مطاولاً كي يمسك بمشهد كفشات الاشجار وكيف بدأت تقترب من ناظريه كأنها تسره هامسة اليه .
صوت خفق عجين يسابق رائحة سجر تنور طيني قد خبر رائحة سعف نخلة قريبة ، شرع يتساوق مع زقزقته ! كل ذلك يبعث على الراحة ولا الم في مفاصل جسده المنحني ، خلب لبه ايقاع خفق العجين بين رغيف وآخر ، وصوت متداخل لسحب غطاء التنور ، خفق ينافس صوت زقزقة اصدقائه الجدد في يومه الجديد .
ظل سؤال آخر يقلقه ، لكنه ارجأ جوابه منشداً الى هذا الايقاع الذي بدأ ينوش تفاصيل حواسه كلها ، غير انه ما عاد يشعر بثقل جسمه (يا لهيبة هذا الاحساس الملذ والغريب!) كذلك شأن هذه اللحظات التي تدب على وجيب قلبه هنيهة ثم تذوب لتختفي من على البسيطة كتلك الغيمة المفردة في السماء .
(احقاً مر سندباد من هنا ؟ كان سندباد ربيعياً ، لم يتزين بلباس الطبيعة المتقلبة ، سندباداً دون تفاصيل جانبية سوى "ياسمينة" عصفورته الرقيقة الوديعة) .
بخار الساعة الارضية يتصاعد مع دخان تنانير القرية .. كذلك تزفر الارض لانثى ما في رئتيها ، ضع خدك على صدرها واصخ السمع الى دقات قلبها .. نم متأملاً .. نم ، ولا تدع الاغفاءة تطول .
صخب العصافير لما يزل يملأ الفضاء ، السمع يتخلل كل خلية من الجسد ويضج مع تسابيح الارض والى السماء .. تنزل السماء سافرة بعريها بشعرها ونهديها تلامس ذؤابات بقايا نخيل ما زال يسبح للحياة ويسترق النظر خفيضاً بزوايا العيون الى فسائل تفحمت وانحنت الى جذوع امهاتها الراقصة جذوعها الم حرائق تترى لا تلوي على شيء .
وقع حوافر تخترق ستارة الافق ، تدفع بوابة البستان على مصراعيها ، خيول متصاهلة تتدافع لا تلوي على شيء ولا يسوقها سوى هدير صار قابض على مباضعه .. اكان لا بد من عملية قيصرية تمزق رحم الارض ؟!
اختفت آخر عربة قطار .. وصوصة العصفور الصغير تعاود عزفها على ذات الايقاع ، فيما تلم بقية العصافير نشيدها ..
من على باب بانت زرقته لبيت مبني من الصفيح والطين ، تتهادى صبية تحمل على رأسها ساخن ارغفة الخبز .
ينكفئ المشهد ليذوب تماماً عدا زقزقة العصافير ورائحة الخبز ووصوصة الصغير !  

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات:

Post a Comment


Top