- حاكم الحداد
اعتاد الالاف والملايين من اهالي الديوانية منذ القديم ان يحيوا زيارة الاربعين لمرقد ابي عبد الله الحسين «ع» لاجل احياء دين جده محمد «ص».
وكان ذلك من خلال المواكب العديدة التي انشأها اهالي الديوانية مثل موكب السراي وموكب الجديدة وموكب الحاج صاحب عكموش وموكب الحاج جعفر ، كما اسست في الستينيات من القرن الماضي العديد من المواكب مثل موكب الخبازين والخياطين والبنائين والسوق ، ناهيك عن عشائر الديوانية والتي كان لها مواكبها الخاصة والتي تحمل اسماءها ، وكان يسبق هذه الزيارة اجراءات عديدة من قبل المواكب وهي تأجير المنازل لهذه المواكب لأجل ايواء الزوار واستصحاب المواد الغذائية والمواشي لأجل اعداد الطعام لهم .
الشعبة الخاصة
وفي العام 1952 وقبل حلول موعد الزيارة ، استشعرت السلطة انذاك الخطر فأرسلت الشعبة الخاصة « جهاز الامن آنذاك» على الحاج اسماعيل الحاج خليل البو سليمان وهو احد الشخصيات الاجتماعية المعروفة في الديوانية للتباحث معه حول ايجاد شخصية تكفل عزاء أهالي الديوانية في زيارة الاربعين في كربلاء ، وذلك لأجل المحافظة على الأمن والهدوء والسكينة وعدم استغلال هذه المناسبة بطرح شعارات ومطالب سياسية او توجيه النقد للسلطة والتشهير بها فهم الحاج اسماعيل مقصدهم ، فقال لهم : انني اتشرف لو وافقتم وجعلتموني انا الكفيل واتعهد لكم بأنه لن يحدث شيء يذكر ، فوافقت الشعبة الخاصة واخذت منه تعهداً خطياً بذلك .
تظاهرة أحتجاجية
وفعلاً اخذ الزوار من ابناء الديوانية يتوافدون على مدينة كربلاء لاحياء هذه المناسبة العظيمة ، ولكن يبدو ان الحزب الشيوعي أعد العدة في هذه المناسبة والخروج ليس بعزاء كما هو المعتاد وانما كانت النية هي الخروج بتظاهرة ضخمة ذات غطاء ديني واستغلال هذه المناسبة للتنديد بالحكومة واجراءاتها وعمالتها للاجنبي وعدم رعاية مصالح الشعب الحيوية .
وفي لقاء مع الحاج مسلم الشمري ذكر فيه : انه تم حضور حسن عوني الى كربلاء خصيصاً للاشراف على هذا الامر .
ادانة النظام
تجمع ابناء الديوانية في حسينية محلة السراي في اليوم المخصص لخروج عزائهم ، وبادر المرحوم « عزيز ناصر « و» وحسن الشيخ كاظم بقصيدة شعبية تدين وتعري النظام وتتهمه بالاهمال والتقصير وعدم مراعاة مصالح الشعب ناهيك عن الاعتقالات والسجن والتشريد بحق القوى المناهضة لهذه الحكومة ، وقاموا بتسليم هذه القصيدة الى الشيخ خليل الشيخ ابراهيم ابو المناخل ، ورجوه ان يقرأها من على المنبر الموجود وسط الحسينية ، فاخذ الشيخ القصيدة وصعد المنبر وسط تهليل وتكبير الزوار ، واخذ صوته يصدح بهذه القصيدة النارية التي كتبت بدقة ألهبت الحماس في نفوس المعزين ، وبعد انتهاء الشيخ من القراءة اصبح الجو مشحون تماماً ، فوزعت الترانيم « الردات « والتي هيأت مسبقاً من قبل الشاعر « ثامر كريم العزيز» الذي ما ان يقرأ احداها حتى تتلقفها الحناجر وهي تهتف بها بحماس حيث تقول احداها:
نهبوا نفطنه
هلكوا شعبنه
أهل الكراسي
بن آل امية
هتافات مؤثرة
وعلى اثرها ، خرجت الجموع من الحسينية على شكل مجاميع ، وحناجرها تهتف بهذه الكلمات الفاضحة للنظام واركانه ، وكان زوار كربلاء من مختلف انحاء العراق ، يترقبون كل عام عزاء الديوانية نظراً لما يطرح فيه من ردات قوية ومؤثرة ، فكيف بهذا العزاء وقد تحول الى تظاهرة عراقية احتجاجية كبرى ، واخذ الزائرون بالانضمام اليها تدريجياً خاصة وانها جاءت بعد تأميم النفط في أيران من قبل مصدق....
ها ها .. اصح ينايم تتناهب استهلاك
ها ها .. اصحه لزمانك مية بالمية
ها ها وانظر لأيران
وحين رأى الحاج اسماعيل الحاج خليل هذه التظاهرة الضخمة هز يديه وهو يقول « خوش كفيل .. وخوش كفاله» ولم يزد على ذلك شيئاً ، أذ لم يكن بمقدروه او اي شخص اخر من ايقاف هذا الهيجان الشعبي الذي انفجر بهذا الشكل الخطير الذي ينذر بالخطر وقد اصبحت التظاهرة اكبر مما بدأت ، حتى انها شملت كل المدينة ، الامر الذي عقد الوضع وجعل القوات الحكومية تتخبط وتضرب اخماساً بأسداس ، لكنها لم تتدخل في شيء ، بل بقيت حيادية ، مع اقصى درجات الحيطة والحذر.
هوسة
دخلت التظاهرة الضخمة مرقد الامام الحسين «ع» ثم خرجت وسارت بأتجاه مرقد الامام العباس «ع» وكان المرحوم الشاعر ثامر كريم العزيز بين الفينة والاخرى يلقي « هوسة « جديدة اشد بلاغة من سابقتها ، والتي يتلقفها مباشرة المتظاهرون بعده.
بعد خروج التظاهرة من مرقد الامام العباس «ع» وقرب انتهائها يتقدم المرحوم « علي الطوبجي « ويقف مع مجموعة من وجهاء الديوانية وهو ينادي المتظاهرين الزوار قائلاً : (هله بالنشامه .. هله بالحسينيين .. هله ..) وكانت هناك مجموعة من ( الشقندحية) الذين يحبون السخرية والمعابثة ، فالتفوا حوله وهم يرددون قائلين في ترنيمة تحاكي في كلماتها وطريقة القائها بعض الردات حيث كان يتواجد بالقرب منهم افراد الشرطة بكثرة ، فارادوا بذلك تشتيت الانتباه عن المتظاهرين فقالوا بصوت واحد :
ياعلي الطوبجي
الك عاصمة بغداد
من الكلجيه
لحد الزويه
صوب الزغير مو الك
للسرسريه
وحين سمع علي الطوبجي هذه الترنيمة الغريبة خرج عن طوره وخلع عقاله وبدأ يضرب الشباب الذين رددوها فهربوا منه وهم يضحكون ... اذ انتهت المظاهرة نهاية سعيدة وخلت من الخسائر ومرت بكل يسر وسهولة .

ليست هناك تعليقات: