راسم الاعسم
تجسدت احداث
الانتفاضة الشعبانية عام 1991 بوصفها حدثاً مفصلياً في تاريخ العراق المعاصر ، في
الكثير من الاعمال الادبية ، حيث سعى العديد من الادباء الى استثمارها وتوظيفها في
اعمال ابداعية ، لقد كانت الانتفاضة الشعبانية بوابة افضت فيما بعد الى احداث
تغيرات سياسية دراماتيكية لاحقة في المشهد السياسي العراقي وقدر لي ان اطلع مؤخراً
على عدد من هذه الاعمال منها رواية (هاجس الرجل الكسيح) للكاتب حامد ناصر والذي لم
نقرأ له سابقاً اي نتاج ادبي يذكر ، ورواية (مهادنة الموت) للشاعر والروائي ناظم
جليل الموسوي .
اعرب المذكرات
وفي ذات
السياق صدر حديثاً للشاعر فارس عدنان المغترب حالياً في امريكا منذ عام 1992 ، عمل
ادبي حمل عنوان (تحت سماء الارطاوية سردية الرمل والانتظار) عن دار صافي للترجمة والنشر
والتوزيع في الولايات المتحدة الامريكية 2018 .
والعمل على
العموم يقترب من ادب المذكرات منه الى العمل الروائي الذي تحكمه اشتراطات وقوانين
معينة ليس المهارة في الصياغات السردية الفنية والجمالية مضافاً اليه المحمولات
الدلالية والمعرفية وانفتاحه على تقنيات البناء الروائي واساليبه الحداثوية .
حاول المؤلف
ايصال الحدث الاجتماعي والسياسي ضمن سياقه التاريخي وتوصيات الى الملتقي بسهولة
ويسر حيث قدر له ان يكون هو نفسه شاهداً ومساهماً فيه مما جعل عمله يتسم بطابعه
التسجيلي مع امتلاكه مستوى من المصداقية في ايراد تلك الاحداث والوقائع كهدف محوري
، ان ما يؤخذ على هكذا اعمال انها كثيراً ما تسقط في مطب التقريرية والمباشرة والتي
غالباً ما تفقد العمل الادبي بهاءه ونظارته الابداعية لقد حرص المؤلف على تسليط
الضوء على معاناة الثوار وجلهم من الشباب المنتفضين ضد سلطة النظام الدكتاتوري
القمعي بعد هزيمته في احداث الكويت وما اظهروه من شجاعة قل نظيرها رغم محاولة
النظام سحق الانتفاضة بكل ما يمتلكه من وسائل القسوة والبطش .
أسرى مشردين
ولما لم تكن
كفتي الصراع متكافئة بين الطرفين من حيث التسليح والضبط والتخطيط العسكري الامر
الذي دفع الثوار اللجوء الى القوات الامريكية لانقاذ حياتهم فكانت معسكرات الاسر
التي اقيمت لهم وسط الصحراء الكبرى في منطقة الارطاوية في السعودية والتي لا تبعد
عن العاصمة اكثر من 270 كم اذ لم يكن امامهم الا ان يتركوا وطنهم ليعيشوا هناك
اسرى ومشردين في ظروف صحراوية بالغة الشدة والقساوة آملين في الخلاص وهم يتطلعون
الى حياة حرة كريمة لهم ولوطنهم العراق .
ان ما يؤشر
لصالح هذا المنجز كونه نجح في تصوير الافعال الحركية لواقعة حقيقية معاشة بكل صدق
تجسدت على ارض الواقع اريد من خلالها ازالة المستور عنها واثارة اهتمام القارئ بها
مع حرص الكاتب على استحضار عنصري التشويق والمتعة المعرفية .
ورغم خروج
المؤلف من جحيم اقفاص الاسر وقبوله لاجئاً سياسياً في ولاية تكساس في الولايات
المتحدة ، الا ان ذلك لم ينسه ابداً محنة وطنه المستباح (انني في آخر الليل وحيداً
وغريباً بعيداً عن نيبور وعن البصرة الساحرة ، ساكتب لصحبتي هناك عن العراق الذي
لن انساه ابداً ، اينما وضعت قدمي في غابة الدفلى الكبيرة : امريكا ص134 ان (تحت
سماء الارطاوية) للشاعر المبدع فارس عدنان سيظل جهداً سريداً ابداعياً وتوثيقياً
مهماً زاوج فيه المؤلف بين الادب والتاريخ باحترافية بارعة ، انه جدير بالقراءة
حقاً .

ليست هناك تعليقات: