ان الفلسفة التربوية
التي نحتاجها تحتم ان نتعامل معها على انها نظام فكري معين يكون في مجابهة
اشكاليات الفكر والسلوك السائدة في المجتمع وعلى انها باب من ابواب الخلاص من عقد
التاريخ وازمات الواقع ، وبتعبير ادق ان الفلسفة التربوية التي نحتاجها الان يجب
ان تكتسب مضموناً واقعياً ، اي انها ينبغي ان تكون مقاربة لمضمون استراتيجية
تربوية لمجابهة ومهاجمة الازمات الداخلية في المشروع التربوي العراقي في ضوء
الواقع الجديد بعد الاحتلال وتداعياته ، ولبلوغ هذه الغاية لا بد ان تتخذ المعالجة
امراً ضرورياً لحسم الموقف مع العلم ، فنحن ما زلنا نتحدث عن العلم بطريقة اهل
النقل في القرن الثالث الهجري وكتبنا المدرسية تضطرب بين منطق العلم والمنطق
الغيبي ، ففي دروس الطبيعيات والرياضيات علميون ننهج نهج العلم الطبيعي في معالجته
لقضايا الكون والانسان ، ولكن في دروس التاريخ واللغة العربية والعلوم الاسلامية
نتكلم بلغة اخرى لا علاقة لها بمنطق العلم وانما بلغة تعجيز العقل وتوهين المنطق
العلمي وارجاع الامور والحياة الى الغيب وطبع عقل التلاميذ بالانبهار والدهشة
والاستغراب.
وعندما يلتقي هذان
التياران في عقل المتعلم ينجم عن التقائهما حالة من التشتت والتمزق الفكري والشك
لشدة مابين طبيعتهما من تناقض وتضاد .
وهناك تجارب عالمية
سبقتنا اليها شعوب سحقتها الحروب وتداعياتها الكارثية حيث اعادت تشكيل بناء المجتمع
بعد الهزيمة بانماط علمية ذات طابع ثوري وتغيير جذري اسس لعودة هيكلة المجتمع
والوعي الجمعي .
عندما اندحرت المانيا
امام نابليون عم الالمان احساس حاد باليأس ، وكان مصدر الضوء للخروج من ظلمات
الهزيمة الخطابات التي وجهها الفيلسوف (يوهان غوتليب فيخته) الى الامة الالمانية
منبهاً الى ان الهزيمة لم تكن عسكرية بقدر ما كانت تربوية اصلاً ، وان الخروج منها
لا يكون الا باستبدال نظام التعليم الالماني بتربية جديدة تقوم على رفض التدريب الميكانيكي
للذاكرة من اجل اكتساب المعارف القائمة على الحفظ عن ظهر قلب ، ان طريقة التعليم
هذه خطرة على التلميذ لانها تدفعه الى ان يفكر بأنه غير قادر على التفكير .
لقد سمع الالمان
مقولات فيلسوفهم الكبير فاعادوا هندسة بنائهم التربوي على اسس من الانضباطية
العقلية والاخلاقية الصارمة واندفعوا مهطعين لا يلوون عنقاً الى الماضي لانه ماض
ولان موعدهم المستقبل حتى انشأوا امة خلق آخر امة قوية .
متى نعيد النظر في
منظومتنا التربوية برمتها من التجمع الصباحي الى الفلسفة والاهداف والسياسات ونبني
مواطن مسلح بالعلم والمعرفة رجل الغد الذي يصنع الحياة ونستمع الى اصوات
الاكاديميين المتخصصين بحسب كفاءاتهم لا انتماءاتهم الحزبية او الطائفية
والمناطقية ونرمم تداعيات الوطن والانسان في ضوء التحديات اولها التخلف والشعور
باللاجدوى والانهزامية وعدم الانتماء .
ليست هناك تعليقات: