تحسين علي كريدي
بعد حلول منتصف الليل بقليل، اشتعلت الجبهة، ولكن على نحو مختلف هذه المرة.. إذ صوب طرفا القتال نيران أسلحتهما بغزارة نحو السماء، وكأنهما تعرضا إلى غزو كائن فضائي.. حدث ذلك بعد ورود خبر قبول الهدنة.
كان شعوري بالفرح غامرا، غير مصدق لفكرة أني سأخلع البزة العسكرية عما قريب، وأن أحظى بوظيفة (مدرس) في أغلب الظن، كوني خريج كلية التربية. وأن أتقدم لخطبة حبيبتي.
في اليوم التالي جاءنا أمر بالتقدم عبر الأرض الحرام، وأن نتخذ موضعا عند حدودنا الدولية.
شققنا طريقنا بحذر وتوجس شديدين، خوفا من الوقوع في حقل للألغام أو التعثر بالرؤوس الحربية غير المنفلقة، ولكن أيضا، بسبب تقدم مجموعة من خصومنا السابقين، ولنفس الغرض على ما يبدو.
أصبح موضعنا الجديد لا يفصله عن موضعهم، إلا بضعة عشرات من الأمتار. وكان يتملكني فضول شديد، لمعرفة أعدائنا السابقين، الذين كانت رسائلهم تصلنا قبل يوم، على شكل رصاص وقذائف..
عندما نهضت فجر اليوم التالي لتسلم نوبتي في الحراسة، حياني أحدهم، (سب بخير)، فرددت عليه التحية.. وكانت تلك فاتحة لاتصالات حدثت لاحقا بيننا، إذ زارتنا مجموعة منهم، يتقدمهم جندي أحوازي تولى ترجمة أحاديثنا.
كانوا شبابا ظرفاء، أحدهم يدعى عباس، على اسمي. وسرعان ما
توطدت العلاقة بيني وبينه، تحدثنا حول كل شيء ما خلا السياسة.. عن عائلاتنا.. عن
أحلامنا.. عن خطيبته التي سيقترن بها عما قريب، وحدثته عن حبيبتي. لعبنا كرة
القدم، وشربنا الشاي. وتبادلنا الزيارات، ومضى أسبوعان ونحن على تلك الحال..
كانت الشمس تنحدر سريعا نحو خط الأفق، وكنت أتسامر مع عباس، عندما شق الهدوء المخيم على الأرجاء، هدير سيارة عسكرية، متجهة صوبنا، وتوقفت تماما قربنا.
ترجل منها ملازم في الاستخبارات، وأمرني بأسر عباس، وسط انذهالنا ودهشتنا.
لم أصدق الأمر أول وهلة، لكن هيئته الصارمة، ومسدسه المشهر في وجوه عباس، لم يتركا في نفسي أدنى ريب في صدق نواياه.
كانت الشمس تنحدر سريعا نحو خط الأفق، وكنت أتسامر مع عباس، عندما شق الهدوء المخيم على الأرجاء، هدير سيارة عسكرية، متجهة صوبنا، وتوقفت تماما قربنا.
ترجل منها ملازم في الاستخبارات، وأمرني بأسر عباس، وسط انذهالنا ودهشتنا.
لم أصدق الأمر أول وهلة، لكن هيئته الصارمة، ومسدسه المشهر في وجوه عباس، لم يتركا في نفسي أدنى ريب في صدق نواياه.
لم يدر في خلدي مطلقا، أن شرور البشر باستطاعتها تقسيم هذه
الجغرافيا الموحدة منذ عصور سبقت نشوء البشرية ذاتها بكثير، وأن بضعة أمتار تخطتها
قدم عباس، ستجهض حلمه بالاقتران من خطيبته وتفسد له حياته..
كنت مرغما على تنفيذ الأمر. وكان قلبي يتقطع ألما وأنا أشد وثاقه، متحاشيا نظرات الدهشة والعتاب في عينيه..
كنت مرغما على تنفيذ الأمر. وكان قلبي يتقطع ألما وأنا أشد وثاقه، متحاشيا نظرات الدهشة والعتاب في عينيه..

ليست هناك تعليقات: