"/> | صباح الديوانية

صباح الديوانية العدد 739


سمات التحديث والتجديد في فن التشكيل العراقي
راسم الاعسم

افرز عقد الثمانينيات من القرن الماضي جيلاً متميزاً من الفنانين التشكيليين ، استطاعوا ان يحملوا سمات التحديث والتجديد في حركة الفن التشكيلي في العراق ، جعل من هذا الجيل مفارقاً في تطلعاته الفكرية والجمالية ، وكان الفنان الدكتور عاصم عبد الامير احد فناني هذا الجيل ، استطاع ان يسجل حضوراً لافتاً في المشهد التشكيلي ، متمثلاً بغزارة منجزه الفني المتحقق فضلاً عن كتاباته ومتابعاته النقدية لواقع الفن التشكيلي العراقي واستطاع بمعية عدد من زملاء الفنانين من تأسيس جماعة فنية ظهرت عام 1982 في الساحة الفنية العراقية عرفت بـ (جماعة الاربعة) وكان اعضاؤها هم كل من : الدكتور عاصم عبد الامير والدكتور فاخر محمد عميد كلية التربية الفنية في بابل حالياً والفنان حسن عبود والفنان الراحل محمد صبري .
نجحت هذه الجماعة من اقامة عدد من المعارض الفنية في بغداد وكان الفنان عاصم عبد الامير هو المنظر الفني والفكري لهذه الجماعة بوصفه ناقد تشكيلي كما اسلفنا، حيث سعى الى ايضاح سيسلوجية الخطاب الجمالي والرؤيوي لها عبر كتاباته التي نشرها في الصحف والمجلات العراقية ، اصدر عدداً من الكتب في اطار البحوث والدراسات في الفن التشكيلي بلغت زهاء ثمانية كتب .
وسنعرض هنا لواحد من اهم كتبه والموسوم بـ (ذاكرة الثمانينيات .. التشكيل العراقي المعاصر) والصادر عام 2013 بغداد ، دار الشؤون الثقافية ، تناول الكتاب مسحاً شاملاً لملف الفن التشكيلي العراقي في ثمانينيات القرن الماضي ولجيل من مبدعيه الكبار الذين قدموا انموذجاً معرفياً مفارقاً اتسم بالتناغم والحراك حاملاً لواء التجديد على مستوى المضامين الانسانية وابتكار اساليب فنية معاصرة ، استطاعوا ان يرسخوا اقدامهم من خلال خطابهم الجمالي التجديدي الذي يتماهى ومنهج التحديث رغم علو نبرة الفن الدعائي المؤدلج .
تميز الكتاب بغزارة مادته النقدية وشموليتها ، حيث مثل قراءة نقدية موضوعية دقيقة لجيل الثمانينيات بكل عطائهِ الفني على صعيد الرسم والنحت والسيراميك والكرافيك وغيرها مع رصد لاهم الاتجاهات والاساليب الفنية المتغايرة التي اشتغل عليها الفنانون لتجسيد افكارهم ورؤاهم التعبيرية الساعية الى مناصرة الانسان وكفاحه واحلامه .
ويرى الكاتب ان هذا الجيل الذي اطلق عليه (جيل الحربين) استطاع ان يتمسك بمشروع اعادة احياء القيم الجمالية التي كادت سرفات الحرب ان تسحقها ، فنجح في تأدية الدور المركب في ظل حياة يتنازعها البؤس والقسر واليأس من خلال تحديهم للواقع الذاهب الى الخراب ، والحفاظ على هوية الفن العراقي الاصيل ، حيث يقول (لقد حافظ الثمانينيون على ذاكرتهم الثقافية بما يؤمن لهم انجازهم وسط حالة من الانهيار ، بعد ان الغمت الاطروحات السياسية بمظاهر التضليل وخداع الذات والتهليل للدكتاتورية وانتشار مظاهر الانحلال والتشرذم ، لقد هيأ اقطاب الفن الثمانيني اجواءً هي من صنع مخيلتهم ، سمحت لهم في الاستحواذ على واجهة المشهد التشكيلي في العراق دون معونة من احد ، ولم يكن للكبرياء المفبرك مكاناً وسط انشغالاتهم في تأسيس ارضية صلبة لفن تحول مع الايام الى امثولة في معنى المقاومة لروح اليأس التي انتشرت في اوصال الحركة الفنية آنذاك ، لقد كانوا فرساناً بحق تلقوا طعنات النقد المتمظهر بالوصاية ، لكنها لم تنجح في كسر عودهم انما زادته صلابة مع الايام ، ثم قدم الناقد مسحاً شاملاً لفناني هذا الجيل متوقفاً عند اهم السمات الابداعية لهم ومؤشراً مساحة الاضافة والتجديد في منجزهم الفني ، حيث درس تجاربهم الفنية بروح تكتنفها المسؤولية والتجرد لعشرات الفنانين المتميزين من امثال الفنان د . فاخر محمد وهاشم حنون وسلام عمر وكريم رسن ومحمد صبري وحسن عبود وهناء مال الله وضياء الخزاعي وكاظم نوير وعامر خليل وغيرهم .
توزعت مفردات الكتاب بين ستة فصول ضم كل فصل عدداً من المباحث النقدية ويظل الكتاب بحق جهداً نقدياً متميزاً لاضاءة حقبة زمنية عاصفة اجتازتها حركة الفن التشكيلي العراقي .

عزز الباحث دراسته بالعديد من المصادر والمراجع من الكتب والدوريات والنثريات التي اضفت على الكتاب طابع الموضوعية وعززت من قيمته العلمية ، كما توصل الباحث الى جملة من المخرجات والنتائج التي خرج بها في نهاية الكتاب الذي يقع في (280) صفحة من القطع الكبير ، وهو من اصدارات دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد 2012 ، انه سيسد فراغاً في مكتبتنا التشكيلية ويشكل اضافة نوعية للتراث النقدي التشكيلي ، وهو جدير بالقراءة والتأمل . 

About Unknown

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات:

Post a Comment


Top